ليس من خلاف في أحقية حراك العشائر في ريف دير الزور، المستمر منذ أكثر من شهر، ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بالنظر إلى مستوى الحيف الاجتماعي والاقتصادي، الذي وقع على هذه المنطقة من قبل سلطات الأمر الواقع المتعاقبة (النظام السوري- جبهة النصرة – تنظيم الدولة – قسد)، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح على الساحة راهناً: أين هو إبراهيم الهفل، شيخ قبيلة العكيدات في سوريا، وقائد الانتفاضة العشائرية؟، خاصة بعد سيطرة "قسد" على معقله بلدة ذيبان، وورود معلومات عن انتقاله إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام، وتمويله من قبل الأخير، من أجل الاستمرار في قتال "قسد"؟ سنحاول في هذا التقرير الإجابة عن هذه التساؤلات، وقراءة الأحداث الجارية وتحليلها.
تعود أسباب الخلاف إلى جذور عميقة تجلت، في 27 آب الماضي، عندما اعتقلت "قسد" في حملة أمنيّة قائد "مجلس دير الزور العسكري" التابع لها، أحمد الخبيل (أبو خولة)، كما حاصرت مقار المجلس في الحسكة ودير الزور، لتندلع الاشتباكات بعدها بين "قسد" والعشائر، التي أكدت أن حراكها لا يتعلق باعتقال "الخبيل"، إنما بممارسات "قسد" وتعرض أبناء المنطقة للظلم تحت إدارة هذه القوات.
وتمكنت قوات العشائر العربية في الأيام الأولى لحراكها من طرد "قسد" من معظم مدن وقرى ريف دير الزور الشرقي الواقعة شمالي نهر الفرات، لتمتد بعدها الاشتباكات أيضاً إلى أرياف الحسكة والرقة وحلب، لكنها توقفت بعد نحو 10 أيام نتيجة تباين القوى العسكرية بين الطرفين، حيث أرسلت "قسد" تعزيزات ضخمة من قوات النخبة.
إلا أن العشائر استطاعت امتصاص الصدمة، وعملت بعدها على ترتيب صفوفها، حيث أعلن الهفل عن تشكيل قيادة عسكرية للعشائر، ليبدأ بعدها مقاتلو العشائر بشن هجمات مكثفة ضد مواقع ومقارّ "قسد" في ريف دير الزور الشرقي الممتد من بلدة خشام وحتى الحدود العراقية، معتمدين على استراتيجية حرب العصابات لاستنزافها بسبب فارق القوة، وانحياز قوات التحالف إلى "قسد".
أين هو الشيخ إبراهيم الهفل؟
منذ إعلان "قسد"، في 6 من أيلول الماضي، سيطرتها على بلدة ذيبان معقل الشيخ الهفل، برز إلى واجهة الأحداث المتسارعة، سؤال عن مصير قائد قوات العشائر، في ظل تضارب الأنباء حول مكان وجوده.
خلال الأيام الثلاثة الماضية، حاول موقع "تلفزيون سوريا" عبر وسطاء التواصل مع الشيخ إبراهيم الهفل، أو شقيقه الأكبر مصعب، شيخ مشايخ قبيلة العكيدات في عموم العالم العربي، والذي يقيم حالياً في دولة قطر، إلا أنهما رفضا التصريح لـ"أسباب أمنية قد تهدد حياة الشيخ إبراهيم".
لكن مصدرين مقربين من الشيخ إبراهيم الهفل قالا إن الشيخ إبراهيم انتقل بعد سيطرة "قسد" على بلدة ذيبان إلى "منطقة آمنة" في الضفة الأخرى لنهر الفرات "منطقة الشامية"، الخاضعة لسيطرة مجموعات مسلحة (من أبناء العشائر)، والتي يقتصر وجود النظام السوري فيها على المؤسسات المدنية.
إبراهيم الحسين، وهو إعلامي من ريف دير الزور الشرقي، قال لموقع "تلفزيون سوريا" إن الهفل انتقل إلى "منطقة آمنة" تحت حماية مجموعات مسلحة من أبناء عمومته، إذ تقتصر سيطرة النظام في الضفة الجنوبية لنهر الفرات على مراكز المدن، مثل مدينة دير الزور والميادين والبوكمال، في حين أن معظم البلدات والقرى في المنطقة تقع تحت سيطرة مجموعات مسلحة.
وأكد الحسين أن "قسد" تقصدت منذ البداية إطباق الحصار على بلدة ذيبان لإجبار الهفل على الانتقال إلى "منطقة الشامية"، لتشويه صورة الحراك واتهام العشائر بتلقي تمويل من النظام وإيران، وهو ما يدلل عليه بيان "قسد"، الذي أعلنت فيه أن الهفل "بات مطلوباً لها ولن يتم العفو عنه".
وأشار إلى أن الحراك ضد "قسد" جاء نتيجة الظلم والتهميش للمكون العربي، وليس له علاقة بالنظام وإيران أبداً ولم يتلقَّ أي دعم منهما، مضيفاً: "نحن كعشائر دير الزور أول من قاتل النظام والمشروع الإيراني، ومن بعد ذلك تنظيم داعش الذي رعته مخابرات النظام".
هل التقى الهفل مع مسؤولي النظام السوري؟
مصدر مطلع على الأحداث، رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية الأمر، قال لموقع "تلفزيون سوريا"، إن الشيخ إبراهيم الهفل لم يجتمع مع النظام بشكل مباشر، إلا أن مسؤولين لدى النظام من أبناء العشائر تواصلوا معه.
وكانت وسائل إعلام مقربة من "قسد" نشرت صورة تزعم أنها لاجتماع الشيخ إبراهيم الهفل مع مسؤولين لدى النظام السوري.
إلا أن ما ثبت أن الادعاء غير صحيح، والصورة لا علاقة لها بالأحداث الأخيرة، بل هي للقاء قديم بين الهفل وعبد المجيد الكواكبي "محافظ دير الزور" المقال عام 2020.
ومساء الأحد الماضي، قال الشيخ إبراهيم الهفل، في بيان للرأي العام عبر تسجيل صوتي، إن "القوات العشائرية غير مرتبطة بأي جهة عسكرية أو فصيل عسكري، وارتباطها الوحيد بالأرض التي تعمل على تحريرها من ميليشيات قنديل ومرتزقة قسد، التي سرقت خيرات البلاد وارتكبت الجرائم بحق الأهالي بدير الزور"، بحسب وصفه.
النظام يحاول تسلق الانتفاضة لمناورة الأميركان
وذكر المصدر ذاته أن النظام سعى منذ البداية إلى الضغط على الهفل لإعلان ولاء قوات العشائر للنظام، عبر ترغيبه بتقديم السلاح ولاحقاً بتهديده بإغلاق السرير النهري أمامه بعد سيطرة "قسد" على ذيبان، لكن الهفل رفض ذلك بشدة.
وأشار إلى أن النظام يهدف عبر ذلك للحصول على ورقة ضغط ضد "قسد" وقوات التحالف في منطقة الجزيرة (شمالي نهر الفرات)، إلا أنه تراجع عن هذا المطلب حالياً لأنه لا يريد أن تحسب قوات العشائر عليه، تجنباً لأي تبعات تحدث لاحقاً في حال توصل مع "قسد" إلى اتفاق.
ولفت إلى أن النظام يسعى إلى الدخول في مباحثات مع "قسد" بشأن مصير قوات العشائر، مقابل حصوله على مكاسب اقتصادية، من خلال زيادة كمية توريدات النفط والكهرباء من حقول شمال شرقي سوريا.
إلى أين وصلت المباحثات بين العشائر والتحالف؟
في 5 من أيلول الماضي، أعلن مصعب الهفل، شيخ مشايخ قبيلة العكيدات، أنه اجتمع بالسفارة الأميركية في الدوحة مع ممثل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ورئيس القسم السياسي بالسفارة مع بداية الاشتباكات في دير الزور.
وأضاف أن الاجتماع هدف إلى إيصال مطالب العشائر في شرقي سوريا، والعمل على تهدئة الوضع هناك عبر التحالف الدولي المتمركز في المنطقة.
ليعود بعدها الشيخ إبراهيم الهفل، في البيان الذي أصدره مساء الأحد الفائت، إلى التأكيد أن "هناك جهودا سياسية مثمرة، وتتجه إلى التفاعل"، من دون أن يسمي الجهة التي يتفاوض معها.
عهد الصليبي، صحفي من شبكة نهر ميديا المختصة بأخبار دير الزور، قلل من أهمية هذه اللقاءات، قائلاً: "نسبة نجاح المباحثات حتى الآن ضعيفة، إلا في حال مارست الولايات المتحدة ضغوطاً قوية على "قسد" لقبول الدخول في مفاوضات جادة".
وأضاف لموقع "تلفزيون سوريا"، أنه "منذ بداية الحراك عقد اجتماعان للتفاوض، الأول كان بين التحالف والعشائر العربية مطلع أيلول الماضي إلا أنه لم يثمر أي نتائج، والثاني حصل بين الشيخ مصعب الهفل والمعهد الأميركي للدراسات في سفارة الولايات المتحدة بالدوحة".
وأشار إلى أن جهود قوات العشائر مستمرة مع الأطراف الفاعلة للتوصل إلى حل يضمن حقوق المكون العربي في المنطقة.
وطول الفترة الماضية، حرصت قوات العشائر و"قسد" على كسب الدعم الأميركي، إذ سعى قادة "قسد" لضمان حصرية التواصل مع التحالف، في حين كان شيوخ العشائر يطمحون إلى عرقلة ذلك، والتواصل مباشرة مع الولايات المتحدة من دون وسيط، حيث حددت العشائر مطالبها، وهي تتلخص في انسحاب عناصر "قسد" من منطقة الجزيرة والفرات حتى تدار هذه المنطقة من جانب أبناء العشائر، فضلاً عن رفض الاجتماع بقيادات "قسد" حتى تحقيق مطالبهم، أبرزها وقف إطلاق النار، والكف عن دهم المدن والبلدات بحجة اعتقال المطلوبين، إضافة إلى إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين في الاحداث الأخيرة.